فوائد الأحماض الدهنية أوميغا 3

الأحماض الدهنية أوميغا 3: ما لا يعرفه الكثيرون

تُعد الأحماض الدهنية أوميغا 3 من أبرز العناصر الغذائية التي شغلت الأوساط الطبية والعلمية لعقود، لما لها من تأثيرات هائلة على صحة الإنسان، ولكن ورغم كثرة الحديث عنها، لا تزال هناك جوانب خفية ومعقدة حول هذه الدهون الصحية لا يدركها كثير من الناس. إن الحديث عن أوميغا 3 لا يقتصر فقط على الترويج لمكملات غذائية أو نصائح استهلاكية عابرة، بل يرتبط بجوانب بيولوجية عميقة وتداخلات فسيولوجية معقدة تؤثر في كل خلية من خلايا الجسم.

تمتاز هذه الأحماض الدهنية بقدرتها الفريدة على دعم صحة القلب، والدماغ، والمفاصل، والعينين، وصولاً إلى تأثيرها في الجينات والتوازن المناعي. لكنها لا تُنتج داخليًا في جسم الإنسان، مما يضعها في فئة “الأحماض الأساسية” التي لا غنى عنها، والتي يجب الحصول عليها عبر الغذاء أو المكملات.

التركيب الكيميائي والفئات الرئيسية لأوميغا 3

تنتمي أحماض أوميغا 3 إلى عائلة الأحماض الدهنية غير المشبعة، وتتميز بوجود رابطة مزدوجة في ذرة الكربون الثالثة من النهاية الميثيلية للسلسلة الكربونية، وهو ما يمنحها خصائص فيزيائية وكيميائية خاصة. وتنقسم إلى ثلاث فئات رئيسية:

• حمض ألفا لينولينيك (ALA): وهو المصدر النباتي لأوميغا 3 ويوجد في بذور الكتان، الشيا، والجوز.

• حمض إيكوسابنتانويك (EPA): يوجد بشكل رئيسي في الأسماك الدهنية مثل السلمون والماكريل، وله تأثيرات قوية مضادة للالتهابات.

• حمض دوكوساهيكسانويك (DHA): يتوافر أيضًا في الأسماك الدهنية، ويُعتبر الأكثر أهمية لصحة الدماغ والعينين.

الامتصاص والتحول الحيوي في الجسم

على الرغم من أن حمض ALA يتوافر بسهولة في الأطعمة النباتية، إلا أن جسم الإنسان غير كفء في تحويله إلى EPA وDHA، حيث لا تتجاوز معدلات التحويل 5% إلى 15%، وهي نسبة ضعيفة نسبيًا لا تكفي لتلبية الاحتياجات الفسيولوجية الدقيقة. هذا ما يجعل من المصادر الحيوانية، أو المكملات المحتوية على EPA وDHA، ضرورية في بعض الحالات.

التحول الحيوي لأوميغا 3 يتأثر بعدة عوامل، منها نسبة تناول أحماض أوميغا 6، التي تتنافس على نفس الإنزيمات المسؤولة عن التحويل، مما قد يعيق فعالية الامتصاص والتحويل في الجسم. ومن هنا تنبع أهمية التوازن الغذائي بين أوميغا 3 وأوميغا 6.

الفوائد الصحية العميقة التي لا يعرفها الكثيرون

1. التأثير على الجينات والتعبير الجيني

تشير دراسات حديثة إلى أن أوميغا 3 يمكن أن يؤثر مباشرة على التعبير الجيني، من خلال تفعيل أو تعطيل بعض الجينات المرتبطة بالالتهاب، ونمو الخلايا، والاستقلاب. هذا التأثير الجيني قد يُفسر بعض فوائد أوميغا 3 في الوقاية من السرطان وأمراض المناعة الذاتية.

2. دعم التواصل العصبي وحماية الدماغ

يُشكل DHA نسبة تصل إلى 40% من الدهون الموجودة في الدماغ، ويُعتبر ضروريًا لتشكيل المشابك العصبية وتوصيل الإشارات بين الخلايا العصبية. نقص DHA قد يُضعف الوظائف المعرفية، ويزيد من خطر التدهور العقلي المرتبط بالتقدم في العمر، كما ارتبط بانخفاض معدلات الإصابة بمرض ألزهايمر لدى من يتناولون كميات كافية من DHA.

3. دعم صحة القلب بآليات متعددة

أوميغا 3 لا يقتصر دوره على تقليل مستويات الدهون الثلاثية، بل يمتد ليشمل:

• خفض ضغط الدم.

• تحسين وظيفة بطانة الأوعية الدموية.

• منع تكون الجلطات عن طريق تقليل التصاق الصفائح الدموية.

• تقليل الالتهابات التي تعتبر عاملاً مشتركًا في معظم أمراض القلب.

4. تقليل خطر الإصابة بالاكتئاب واضطرابات المزاج

تشير عدة دراسات إلى ارتباط نقص أوميغا 3 بزيادة خطر الاكتئاب والاضطرابات المزاجية، لا سيما في المراهقين والبالغين. EPA تحديدًا ثبتت فعاليته في تقليل أعراض الاكتئاب عند إضافته للعلاج الدوائي، ويُعتقد أن هذا يعود إلى دوره في تنظيم النواقل العصبية مثل السيروتونين والدوبامين.

5. تقوية النظر وصحة العين

يتواجد DHA بتركيز عالٍ في شبكية العين، ويُعد ضروريًا لتطوير البصر عند الأجنة والرضع، وكذلك لصحة العين عند البالغين. تشير بعض الأبحاث إلى أن تناول كميات كافية من DHA يقلل من خطر الإصابة بالضمور البقعي المرتبط بالعمر.

الكميات الموصى بها والتوصيات الغذائية

يعتمد تحديد الجرعة المثالية على العمر والحالة الصحية، لكن في المتوسط:

في حال عدم تناول الأسماك مرتين أسبوعيًا على الأقل، يُنصح بتناول مكملات أوميغا 3 من مصادر موثوقة لتأمين الكمية المطلوبة.

العلاقة بين أوميغا 3 والأمراض المزمنة

السرطان

أشارت عدة دراسات إلى دور أوميغا 3 في الوقاية من بعض أنواع السرطان مثل سرطان القولون والثدي والبروستاتا، حيث يساهم في إبطاء نمو الخلايا السرطانية وتحفيز الموت الخلوي المبرمج (Apoptosis).

مرض السكري من النوع الثاني

يساهم أوميغا 3 في تحسين حساسية الأنسولين وتقليل الالتهابات الجهازية التي تُعد عاملًا مساعدًا في تفاقم داء السكري. كما يُقلل من خطر المضاعفات القلبية المصاحبة لهذا المرض.

التهاب المفاصل

أوميغا 3 له تأثير مباشر مضاد للالتهاب، وقد أظهرت التجارب السريرية تحسنًا ملحوظًا في أعراض الألم والتصلب الصباحي لدى مرضى التهاب المفاصل الروماتويدي عند تناول مكملات EPA وDHA بجرعات علاجية.

مصادر غذائية لأوميغا 3

يُنصح بتناول المصادر البحرية مرتين أسبوعيًا على الأقل، بالإضافة إلى تضمين المصادر النباتية يوميًا ضمن النظام الغذائي.

التفاعلات الدوائية والاحتياطات

رغم فوائد أوميغا 3 المتعددة، فإن استهلاكها المفرط قد يُسبب بعض التفاعلات، خصوصًا عند تناولها مع الأدوية المميعة للدم مثل الوارفارين أو الأسبرين، حيث قد تؤدي إلى زيادة خطر النزيف. كذلك، يجب الحذر في حالات الأمراض النزفية أو خلال العمليات الجراحية، وتجنب الجرعات العالية دون استشارة طبية.

مكملات أوميغا 3: الجودة والمصدر

لا تُعد كل المكملات متساوية من حيث الجودة أو الفعالية. يجب الانتباه لما يلي عند شراء المكملات:

• التأكد من احتواء الكبسولة على EPA وDHA بالتركيز المناسب.

• اختيار مكملات خالية من الزئبق والمعادن الثقيلة.

• الأفضلية للمكملات المستخلصة بطرق التقطير الجزيئي لضمان نقاء المنتج.

• التحقق من اعتمادها من جهات رقابية مثل IFOS أو USP.

الاستخدامات الخاصة بأوميغا 3 في فترات الحياة المختلفة

• أثناء الحمل والرضاعة: تدعم التطور العصبي والبصري للجنين، وتقلل من خطر الولادة المبكرة.

• في الطفولة: تعزز الانتباه وتحسن الأداء الدراسي والسلوك لدى الأطفال، وخاصة المصابين باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD).

• في الشيخوخة: تقلل من فقدان الكتلة العضلية (Sarcopenia)، وتحمي من تراجع القدرات الذهنية.

الخلاصة

الأحماض الدهنية أوميغا 3 ليست مجرد مكمل غذائي شائع، بل عنصر حيوي متكامل الوظائف يشارك في تنظيم الصحة العامة بدءًا من الخلايا العصبية وصولًا إلى القلب والمفاصل. إن قلة الوعي بالتوازن الغذائي بينها وبين الأحماض الدهنية الأخرى، وكذلك سوء تقدير مصادرها الطبيعية، يحرم الكثيرين من فوائدها الكبرى. ومع تعمق الأبحاث، يتأكد أكثر فأكثر أن الأحماض الدهنية أوميغا 3 هي أحد أعمدة التغذية العلاجية الحديثة.

المراجع:

1. Simopoulos AP. Omega-3 fatty acids in health and disease and in growth and development. Am J Clin Nutr. 1991.

2. Calder PC. Omega-3 fatty acids and inflammatory processes: from molecules to man. Biochem Soc Trans. 2017.